فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قُلْ هُو اللهُ أحد}
اختلف في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هذا الله خَلَق الخلْق، فمن خلَقَ الله؟ فنزلت هذه السورة جوابًا لهم، قاله قتادة.
الثاني: أن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة، وقال: يا محمد انسبني إلى هذا، وهذا قول أُبي بن كعب.
الثالث: ما رواه أبو روق عن الضحاك أن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قل له شققت عصانا وسببت آلهتنا وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيرًا أغنيناك وإن كنت مجنونًا داويناك، وإن هويت امرأة زوجناكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست بفقير ولا مجنون ولا هويت امرأة، أنا رسول الله إليكم، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته»، أرسلوه ثانية وقالوا له: قل له بيّن لنا جنس معبودك، فأنزل الله هذه السورة، فأرسلوه ثالثة وقالوا: قل له لنا ثلاثمائة وستون صنمًا لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم إله وأحد بحوائج الخلق كلهم؟ فأنزل الله سورة الصافات إلى قوله: {إن إلهاكم لوأحد} يعني في جميع حوائجكم، فأرسلوه رابعة وقالوا: قل له بيّن لنا أفعال ربك، فأنزل الله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض} الآية، وقوله: {الذي خلقكم ثم رزقكم}.
{قل هو الله أحد} خرج مخرج جواب السائل عن الله تعالى، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم {قل هو اللهُ أحد} والأحد: هو المتفرد بصفاته الذي لا مِثل له ولا شبه.
فإن قيل: فلم قال: {أحد} على وجه النكرة، ولم يقل الأحد؟ قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه حذف لام التعريف على نية إضمارها فصارت محذوفة في الظاهر، مثبتة في الباطن، ومعناه قل هو الله الأحد.
الثاني: أنه ليس بنكرة، وإنما هو بيان وترجمة، قاله المبرد.
فأما الأحد والواحد ففيهما وجهان:
أحدهما: أن الأحد لا يدخل العدد، والواحد يدخل في العدد، لأنك تجعل للوأحد ثانيًا، ولا تجعل للأحد ثانيًا.
الثاني: أن الأحد يستوعب جنسه، والواحد لا يستوعب، لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد، لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر، فصار الأحد أبلغ من الواحد.
وفي تسميتها بسورة الإخلاص ثلاثة أوجه:
أحدها: لأن في قراءتها خلاصًا من عذاب الله.
الثاني: لأن فيها إخلاص لله من كل عيب ومن كل شريك وولد، قاله عبد الله ابن المبارك.
الثالث: لأنها خالصة لله ليس فيها أمر ولا نهي.
{اللَّهُ الصّمَدُ} فيه عشرة تأويلات:
أحدها: أن الصمد المصمت الذي لا جوف له، قاله الحسن وعكرمه والضحاك وابن جبير، قال الشاعر:
شِهابُ حُروب لا تَزالُ جيادُه ** عوابسَ يعْلُكْنَ الشكيمَ المُصَمّدا

الثاني: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، قاله الشعبي.
الثالث: أنه الباقي الذي لا يفنى، قاله قتادة، وقال الحسن: إنه الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
الرابع: هو الذي لم يلد ولم يولد، قاله محمد بن كعب.
الخامس: أنه الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
ألا بكّر الناعي بخَيريْ بني أسدْ ** بعمرِو بن مَسعودٍ وبالسيّد الصَّمَد

السادس: أنه السيد الذي قد انتهى سؤدده، قاله أبو وائل وسفيان وقال الشاعر:
عَلوْتُه بحُسامٍ ثم قلت له ** خُذْها حُذَيْفَ فأنت السيّد الصَّمَدُ

السابع: أنه الكامل الذي لا عيب فيه، قاله مقاتل، ومنه قول الزبرقان:
ساروا جَميعًا بنصْفِ الليلِ واعْتَمدوا ** ألاّ رهينةَ إلا السيّدُ الصَمَدُ

الثامن: أنه المقصود إليه في الرغائب، والمستغاث به في المصائب، قاله السدي.
التاسع: أنه المستغني عن كل أحد قاله أبو هريرة.
العاشر: أنه الذي يفعل مايشاء ويحكم بما يريد، قاله الحسين بن فضيل.
{لم يَلِدْ ولم يُولد} فيه وجهان:
أحدهما: لم يلد فيكون والدًا، ولم يولد فيكون ولدا، قاله ابن عباس.
الثاني: لم يلد فيكون في العز مشاركًا، ولم يولد فيكون موروثًا هالكًا، قاله الحسين بن فضيل.
وإنما كان كذلك لأمرين:
أحدهما: أن هاتين صفتا نقص فانتفتا عنه.
الثاني: أنه لا مثل له، فلو ولد أو ولد لصار ذا مثل، والله تعالى منزه عن أن يكون له مثل.
{ولم يَكُن له كُفُوًا أحد} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لم يكن له مثل ولا عديل، قاله أبي بن كعب وعطاء.
الثاني: يعني لم تكن له صاحبة، فنفى عنه الولد والوالدة والصاحبة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه لا يكافئه في خلقه أحد، قاله قتادة وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحد كُفوًا، فقدم خبر كان على اسمها لتنساق أواخر الآي على نظم وأحد. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1)}
قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والربيع بن خيثم: {قل هو الله أحد الواحد الصمد}، وروى أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه تعالى عما يقول الجاهلون فنزلت هذه السورة، وروى ابن عباس أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيًا عليه ونزل عليه جبريل بهذه السورة، وقال أبو العالية قال قتادة: الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة، و{أحد} معناه: فرد من جميع جهات الوحدانية، ليست كمثله شيء، وهو ابتداء و{الله} ابتداء ثان و{أحد} خبره، والجملة خبر الأول، وقيل: {هو} ابتداء و{الله} خبره و{أحد} بدل منه، وحذف أبو عمرو التنوين من {أحد} لالتقاء الساكنين {أحد الله} وأثبتها الباقون مكسورة للالتقاء، وأما وفقهم كلهم فبسكون الدال، وقد روي عن أبي عمرو: الوصل بسكون الدال، وروي عنه أيضًا تنوينها، و{الصمد} في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويستقل بها، وأنشدوا: الطويل:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد ** بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

وبهذا تفسر هذه الآية لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات، وإليه تصمد به قوامها، ولا غني بنفسه إلا هو تبارك وتعالى، وقال كثير من المفسرين: {الصمد} الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وفي هذا التفسير كله نظر، لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى. فما الذي تعطينا هذه العبارات، و{الله الصمد} ابتداء وخبر، وقيل: {الصمد} نعت، والخبر فيما بعد، وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد} رد على إشارة الكفار في النسب الذي سألوه، وقال ابن عباس: تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: لأن الأفهام تقف دون ذلك حسيرة، والمؤمنون يعرفون الله تعالى بواجب وجوده وافتقار كل شيء إليه واستغنائه عن كل شيء وينفي العقل عنه كل ما لا يليق به تبارك وتعالى، وأن ليس كمثله شيء، وكل ما ذكرته فهو في ضمن هذه السورة الوجيزة البليغة، قوله تعالى: {ولم يكن له كفؤًا أحد} معناه: ليس له ضد ولا ند ولا شبيه، والكفأ والكفؤ والكفاء النظير، وقرأ: {كُفؤًا} بضم الكاف وهمز مسهل نافع والأعرج وأبو جعفر وشيبة.
وقرأ بالهمز عاصم وأبو عمرو بخلاف عنه.
وقرأ حمزة: {كفْوًا} بالهمز وإسكان الفاء وروي عن نافع {كفًا} بفتح الفاء وبغير همز.
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس {ولم يكن له كفاء أحد} بكسر الكاف وفتح الفاء والمد و{كفؤا} خبر كان واسمها {أحد} والظرف ملغى وسيبويه رحمه الله يستحسن ان يكون الظرف إذا تقدم خبرا ولكن قد يجيء ملغى في اماكن يقتضيها المعنى كهذه الآية وكما قال الشاعر:
ما دام فيهن فصيل حيا

ويحتمل ان يكون {كفؤا} حالا لما قدم من كونه وصفا للنكرة كما قال لعزة موحشا طلل قال سيبويه وهذا يقل في الكلام وبابه الشعر وقال صلى الله عليه وسلم: «إن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن».
قال القاضي أبو محمد بما فيها من التوحيد. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{قُلْ هُوَ الله أحد} وفيها قولان:
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر.
والثاني: مدنية، روي عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك.
وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده إنها لَتَعْدِل ثُلُثَ القرآن» وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنها تعدل ثلث القرآن».
وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة، قاله أُبَيّ بن كعب.
والثاني: أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: إلى الله عز وجل.
قال: صفه لي، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة، قاله ابن عباس.
والثالث: أن الذين قالوا هذا، قوم من أحبار اليهود قالوا: من أي جنس هو، وممن ورث الدنيا، ولمن يورِّثها؟ فنزلت هذه السورة، قاله قتادة، والضحاك.
قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، {أحد اللهُ} وقرأ أبو عمرو {أحد اللهُ} بضم الدال، ووصلها باسم الله.
قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل.
والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و{أحد} مرفوع على معنى: هو أحد، فالمعنى: هو الله، وهو أحد.
وقرئت {أحد اللهُ الصمد} بتنوين أحد.
وقرئت {أحد الله} بترك التنوين، وقرئت بإسكان الدال {أحد اللهُ}، وأجودها الرفع بإثبات التنوين، وكُسِرَ التنوين لسكونه وسكون اللام في {الله}، ومن حذف التنوين، فلالتقاء الساكنين أيضًا، ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ {الله الصمد} وهو أردؤها.
فأما {الأحد} فقال ابن عباس، وأبو عبيدة: هو الواحد.
وفرَّق قوم بينهما.
وقال أبو سليمان الخطابي: الواحد: هو المنفرد بالذات، فلا يضاهيه أحد.
والأحد: هو المنفرد بالمعنى، فلا يشاركه فيه أحد.
وأصل {الأحد} عند النحويين: الوحد، ثم أبدلوا من الواو الهمزة.
وفي {الصمد} أربعة أقوال.
أحدها: أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الصمد: السيد الذي قد كمل في سؤْدُدِه.
قال أبو عبيدة: هو السيد الذي ليس فوقه.
أحد والعرب تسمي أشرافها: الصَّمد.
قال الأسدي:
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ ** بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ

وقال الزجاج: هو الذي ينتهي إليه السُّؤدُد، فقد صمد له كل شيء قصد قصده.
وتأويل صمود كل شيء له: أن في كل شيء أثر صُنْعه.
وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم.
والثاني: أنه الذي لا جوف له، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسدي.
وقال ابن قتيبة: فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء، والمصمت من هذا.
والثالث: أنه الدائم.
والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، حكاهما الخطابي وقال: أصح الوجوه الأول، لأن الاشتقاق يشهد له، فإن أصل الصمد: القصد.
يقال: اصمد صمد فلان، أي اقصد قصده.
فالصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج.
قوله تعالى: {لم يلد} قال مقاتل: لم يلد فيورَّث {ولم يولد} فيشارَك، وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بناتُ الرحمن.
وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فبرَّأ نفسه من ذلك.
قوله تعالى: {ولم يكن له كُفُوًا أحد} قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز.
ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واوًا.
وقرأ حمزة بسكون الفاء.
والكفء: المثل المكافئ.
وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحد كُفُوًا، فقدَّم وأخرَّ لتتفق رؤوس الآيات. اهـ.